أصواتٌ من غزّة

ر.، مصور

أرسل ر. الرسائل التالية إلى صديقة بين ١٣ تشرين الأول/ أكتوبر و ١٢ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٣

 
الجمعة ١٣ تشرين الأول/ أكتوبر (صباحاً)

[من مدينة غزة]

بعتت البنات [أعمارهن ٢ و٦ سنوات] وأمهم عند أهلها بدير البلح

.أنا منيح بس الوضع كثير صعب. في مجازر وين ما كان

 

ما في سيارات وبفكر أروح العشرين كيلومتر من هون لعند البنات [في دير البلح] مشي.0

 

الجمعة ١٣ تشرين الأول/ أكتوبر (مساءً)

[من دير البلح]

بعدها الناس عم تطلع من غزة، وفي ناس مش قابلين يتركوا بيوتهم لكن تقريبا المدينة فاضية. كل شوي بحاول أتواصل مع حدا جوا غزة بقلي مدينة أشباح إلا بعض الناس ظلوا فيها

عم بصور خفيف كل الناس هون متوترين

بحاول أحكي مع سمر[صديقة مشتركة]  بس ما في خطوط، مش عارف ظلت أو طلعت

...

مش عارف.. طلعت تحت القصف من شوي وجبت الأكل اللي قدرت ألاقيه... معلبات وبسكوت ومي وزعتر ودقة وجبنة وسردين

وفي عندي شجرة نخل هون بعدو ما انقطف

كل شوي بقطف من الشجرة وباكل حبة رطب

أنا عم باكل خفيف عشان ما بدي أفوت حمام كتير

بلش الليل وهمه

يارب الله ينجينا من اللي جاي

راح أشوف بنتي الكبيرة لأنها بتبكي، وبرجع بحكي

بتبكي من الخوف، عشان بلش الضرب من جديد

...

يمكن الساعة ١٢ بمنتصف الليل، تنفصل كل خدمة الاتصالات والانترنت عن قطاع غزة بشكل عام

لو فقدتي الاتصال معنا اعرفي انه احنا بخير ومهما شفتي على التلفزيون صور حنكون بخير وأنا راح اعمل كل جهدي اني اخبي بناتي بعيوني وراح أعمل المستحيل اني احميهم

شو هالدنيا الظالمة

.عالم شرير

يا ريت ما بعرف ناس كتير بغزة

فقدت كتير ناس...  كل ما أسال على ناس بحكولي استشهدوا أو مفقودين

بنتي اللي ما صار عمرها ٧ سنين فاهمة كل شي

[أرفق رسمة من رسومات ابنته]

السبت ١٤ تشرين الأول/ أكتوبر 

صباح الخير. كانت ليلة صعبة كتير بس مرقت

أخدت شوية صور، بس الكل متوتر، والكل متوتر والبنات عم يظلوا يبكوا وأنا مشغول اهتم فيهم

كل الناس بتنتظر الاجتياح ولسه في ناس جوا غزة [المدينة] ما عرفوا يطلعوا مبارح

أعطوا مهلة للساعة ٤ اليوم للي بده يطلع

 

الأحد ١٥ تشرين الأول / أكتوبر (صباحاً)

ما في إنترنت ولا بطارية أغلب الوقت

ضرب وقصف بكل مكان، بس حتى مش قادرين نعرف وين عشان ما في مصدر نعرف منه وين القصف

...

مفيش أدوية كفاية بالمستشفيات ولا أسرة ولا أطباء ... الجهاز الصحي منهار تماماً

الشبكة سيئة كتير، بس احنا بخير.٠

طلعنا منها على خير، يا الله

 

الأحد ١٥ تشرين الأول / أكتوبر (مساءً)

الظاهر انقصف بيت اهلي... من شوي حدا خبرني

فيه ذكريات كتير. مش زعلان على الحجار بترجع بتنبني

امبارح قلت لبنتي "بدي اخدك على مصر"، وجاوبتني "لنزور رلى؟" [صديقة للعائلة]

 

الأثنين ١٦ تشرين الأول/ أكتوبر 

قلبت الدنيا اليوم على منوم مش ملاقي ههههه

مفيش مي كمان من الصبح غير كم صندوق جبناهم للشرب

البحر قريب بس مخاطرة الواحد يروح هناك كل الشط زوارق

لو شتت بنعبي بالطناجر

 

الثلاثاء ١٧ تشرين الأول/ أكتوبر 

ماظلش مي بخزانات المي ومفيش حتى مي بكل قطاع غزة وفي صندوق مي معدنية بدناش نتصرف فيه عشان الصغار

 

الأربعاء ١٨ تشرين الأول/ أكتوبر 

أنا راح احاول اطلع أأمن مي كمان مرة، ادعيلي اعرف أجيب وأعرف أرجع سالم

...

انا منيح، لقيت صندوقين مي، الحمد لله. وربنا نجاني كان فيه ضرب كتير

واليوم كنت بالسوق اشتريت برتقال لبناتي

 

السبت ٤ تشرين الثاني/ نوفمبر 

دبرنا كيس طحين

وبعد شوي طالعين نحاول نجيب مي

...

هذا من الطحين المسروق

لو بينمسك عندنا كلنا بننحبس

ههههههه

دفعنا  طبعاً مصاري للوسيط والبياع وللي هرّبوا الطحين

عملية معقدة جداً

وفيها مفاوضات شاقة

...

حصتي اليومية من المي صارت٢٠٠ ملليتر باليوم

راح انزل تحت القصف اليوم من جديد... لازم ألاقي مي. راح أروح نفس المكان اللي اشتريت منه مي قبل. ادعيلي ألاقي مي وأرجع سالم.

لو فيكي بس تسمعي كيف بيقصفوا غزة، الأرض بتهز تحت أجرينا من قوة القصف

 

السبت ٤ تشرين الثاني / نوفمبر (مساءً)

كل يوم بنقطف شوية زيتون من الشجرة، منرصعهم ومنملحهم، وثاني يوم مناكلهم

صار وقت قطاف الزيتون، بس بناكلهم هيك لأنه الزيتون عم يخرب... لازم نكون بنقطف ونعصر زيت بس ولا معصرة زيتون شغالة

أمي وأبوي بسلموا عليكي

وأمي بتقول راح تعملك عزيمة كبيرة بس تزورينا

 

الأحد ٥ تشرين الثاني / نوفمبر (مساءً)

الحمد لله، بعدنا بخير

 بدي تحكي مع دكتور

بدي شي نوع دواء مهدئ للأطفال

بنتي حتفرط من الخوف، بتشكي من أوجاع بطن ووجع اجرين، زي اللي متكربجة البنت

 

الأحد ٥ تشرين الثاني/ نوفمبر (ليلاً)

اليوم قدرت أجيب غالون مي

أكلت شوية تمر وزعتر

 

الإثنين ٦ تشرين الثاني/ نوفمبر

والله كانت ليلة صعبة

كان في كثير قصف، والأطفال كانوا يبكوا وهم قاعدين بنص البيت

ما لقيت أي نوع دوا كتبتيلي إياه [من الأدوية اللي وصفها الطبيب]

بس راح نستخدم طب بديل، انه نحط زيت زيتون على جسمها، ونفرك عضلاتها

بستنى يهدى ضرب الطيران عشان نعرف نطلع ندور على مي

مصدر المياه اللي كنا نعبي منه صار قصف في محيطه وبخاف أدخل بين الأراضي الزراعية

 

الثلاثاء ٧ تشرين الثاني/ نوفمبر (مساءً)

عبيت مية مالحة، وسخنتها على النار، ومكانش في مي أبردها! صح انسلقت بس حمام ملوكي هههه

اليوم صارت مجزرة قريبة علينا

أصلاً بطلنا نسمع صوت طيارة لما ينزل الصاروخ، بس بنسمع اشي فقع فجاة

...

نعم قصف، ضربوا مجمع بيوت مع بعض ضربة وحدة

 

الثلاثاء ٧ تشرين الثاني/ نوفمبر (مساءً)

صليت وأخدت بناتي بحضني وتمددت حدهم. كنت ميت من التعب، مخي نايم بس عيوني مفتحة

 

الأربعاء ٨ تشرين الثاني/ نوفمبر 

هم مش بعاد، بس كيلومتر عن مستشفى الشفاء

وفي حرب شوارع بغزة

 

الخميس ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر (صباحاً)

نمت ٤ ساعات متقطعة بس حلوين

في قصف عندي في الشارع اللي بدخل علينا اسمه شارع البركة [غزة المدينة]

كاتبين اشي على الأخبار؟

 

الخميس ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر  (مساءً)

شو عم يكتبوا على الأخبار غير هدنة للممر الإنساني ٤ ساعات كل يوم، حتى يقدر الناس يطلعوا من غزة [المدينة]؟

 

الجمعة ١٠ تشرين الثاني/ نوفمبر 

شو كاتبين أخبار عن مستشفى الشفاء واللي بصير حواليها؟

الشبكة [الاتصالات] سيئة كثير، بس احنا بخير

في حدا من ولاد أعمامي قدر يهرب اليوم [من غزة المدينة] وباقي العيلة بين شهيد أو مش عارف يطلع، أمه مقعدة، وهو وحيد أمه، قالتله خذ أولادك احملهم واتركني

مقدرش يحمل أمه

 

السبت ١١ تشرين الثاني / نوفمبر 

مسا الخير كيف حالك؟ نحنا بخير الحمدلله وأنا من الصبح بدور على مي وأي اشي ممكن اشتريه وقبل شوي عرفت أرجع

 الطرق كانت بتخوف ومفيش اشي ممكن نشتريه فعليا والموجود أسعاره أضعاف مضاعفة

الحمدلله قدرنا نجيب مي وطحين وعلبة بريل [معقم مي] وعلبة دخان وبامبرز

تلفوني كان بدون شحن اليوم. مطرت خمس ثواني وبعدها ما كان في شمس، فما قدرنا نشحن التلفونات على الطاقة الشمسية

بظل أشرب رشفة رشفة، على أقل من مهلي، فنجان قهوة واحد من الصبح لآخر النهار. مسموح إلي فنجان واحد صغير كل يوم

أمي خبت كيس القهوة مع مفتاح البيت

 

ر. مصور وأب لطفلتين أعمارهم ٢ و ٦ سنوات. تحتفي أحدث أعماله بحياة وإنجازات سكان غزة الذين فقدوا أطرافهم خلال الحروب السابقة، وتظهر صوره كيف يستمرون في عيش حياة صاخبة رغم البتر. وهو أيضاً عضو في شبكة إقليمية للمصورين الوثائقيين، كما يعمل لصالح العديد من وكالات الأنباء المحلية والدولية. يقيم في مدينة غزة، لكنه أجبر بسبب الحرب على إرسال زوجته وبناته إلى دير البلح حيث تقيم عائلتها، وتبعهم بعدها أمه وأبيه ثم أخته وعائلتها، قبل أن يضطر هو أيضا لمغادرة غزة. بعد مغادرته تم قصف بيته، وبيت أهله، وكذلك بيت أخته. لا يزال، إلى وقت استلام هذه الرسائل، في دير البلح عند عائلة زوجته مع ٣٠ فرد من أفراد أسرته.