مبادئ إنسانيّات التوجيهية لأخلاقيّات الأبحاث الإثنوغرافيّة

تدرك إنسانيّات – رابطة الأنثروبولوجيّين الفلسطينيّين، العلاقة المشحونة في حقل الأنثروبولوجيا بين انتاج المعرفة والظروف السياسية، حيث أنّه من غير الممكن فهم عمليّة إنتاج المعرفة الأنثروبولوجيّة في فلسطين وحولها بمعزِل عن السياق التاريخي والراهن للاستعمار. فإننا لا نتمتّع برفاهيَة مُقاربة سؤال الأخلاقيّات المهنيّة من وجهة نظر الموضوعيّة الوهميّة والمجرّدة، بل يجب فهم المبادئ التوجيهيّة الواردة أدناه دائماً ضمن سياق السيطرة على، تجريد وحتى إبادة الفلسطينيّين والشعوب الأخرى المستعمَرة. وبذلك، فإن الأبحاث حول فلسطين أو الفلسطينييّن، التي تقوم بمحو أو تجاهُل أو تطبيع هذا السياق الاستعماري، هي أبحاث متعارِضةٌ مع هذه المبادئ التوجيهيّة.

بالإضافة إلى واجب التطرّق إلى واقع القضاء على الوجود الفلسطيني عموماً، كذلك يجب على أيّ مبادئ أخلاقيّة أن تأخذ في حسبانها القوى التي تُجزّء الفلسطينيّين إلى جغرافيّات سياسيّة مختلفة. فالفلسطينيّون يعيشون في ظلّ ظروف وأنظمة السيطرة المختلفةً اختلافاً جذرياً، من بينها نظام الفصل العنصري، والاحتلال العسكري، والشتات. وهذا التباين في الأحوال السائدة في تلك الجغرافيّات المختلفة يُملي تبايناً في شروط معيشة الفلسطينيّين، بمن فيهم الباحثات والباحثين، وإمكانيّات تنقّلهم وسفرهم وعملهم وإقامتهم. علاوةً على ذلك، فإنّ اختلاف التجارب والعلاقات الطبقيّة والنوع الاجتماعي والعِرق أثّر على حياة الفلسطينيّين بطرقٍ يجب أن تنعكس في أيّ تحليل أخلاقي.

ليس الهدف من هذه المبادئ التوجيهيّة خلق هَيئة ضَبط ومُراقبَة ولا وضع نصّ ذي سلطة مُقدَّسة، بل أنَّها تشكّل وسيلةً لإتاحة مساحة أكبر من المرونة في مُساءلَة خطّة البحث وحيثيّات تطبيقها كما وتحميل الباحث والباحثة مَوضع المساءَلة. كما أنَّ القصد من هذه المبادئ هو إيجاد إطار عمل للباحثات والباحثين الراغبين في التحرّك والمبادرة للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

 

1- توجّهات والتقاءات

على أيّ عمليّة تقييم للأخلاقيّات الأنثروبولوجية أن تُفسَّر وفقاً لهذه المبادئ التوجيهيّة ونسبة للسياقات العَينيّة التي يخضع البحث ضمنها. فإن هذه السياقات مبنيّة على العلاقات بين كلٍّ من الباحثين، والمؤسّسات المنتميين لها، والجهات المانحة، والمحاورين الميدانيّين، ويجب إدراك حقيقة أنَّ كلَّ طرف من هذه الأطراف له محيط اجتماعي راسخ ضمن علاقات قوّة مادّية معيّنة. ينبغي أن ينتبهَ الباحثون إلى مَكامن ضعف محاوِريهم - كما إلى مَكامن ضعف الباحثين أنفسهم في بعض السياقات.

في فلسطين، قد يكون الباحثون من السكّان المستعمَرين، أو من الجماعات المستعمِرة، أو من مجموعات أخرى، وكذلك فإن المكانة الاجتماعيّة للمحاورين البحثيّين في فلسطين تتبايَن تبايناً كبيراً. فمن الممكن أن تكون بعض المجموعات أكثر عرضة للأذى من غيرها، بينما قد يتمتّع آخرون بامتيازات نسبيّة في ظلّ الاستعمار، بحيث أنَّ هذه الفئات في الكثير من الأحيان مرهونة بدرجات مختلفة من المكانة القانونية. قد يتمتّع الفلسطينيّون على وجه التحديد بمستوياتٍ مختلفة من الحقوق والمزايا حسب موقعهم وبالتالي مَوضعهم القانوني داخل النظام الاستعماري، وكذلك هو الأمر بشان أي مواطَنة أو إقامة قد يكون حاصلاً عليها في دول أخرى. بهذا، تكون المواطَنة، والطبقة، والعِرق، والنوع الاجتماعي، والميول الجنسيّة، والسنّ جميعها عوامل ذات صلة عند تقييم مَوضعيّة الباحثين ومحاوِريهم وعند تقييم احتمالات تعرّضهم للأذى.

يمكن لمثل هذه التفاضلات في مواضع القوّة أن تسهمَ في تشكيل العلاقات البحثيّة وعمليّة إنتاج المعرفة. وحيث أنّه يجري استغلال هذه التفاضلات واستخدامها كسلاح في ظلّ الاستعمار الاستيطاني، على شكل الصور النمطيّة للنوع الاجتماعي أو الميول الجنسية على سبيل المثال، أو الكليشيهات الإثنيّة أو العرقيّة، أو القوالب الدينية، فإنّ هذا يفرض على الباحثين في المجتمعات الفلسطينيّة مسؤوليّة تقييم هذه المخاطر والسعي لتجاوزها بطرقٍ تنسجم مع المبادئ الواردة هنا.

علاوةً على ذلك، ينتسب الباحثون في كثير من الأحيان إلى مؤسَّسات لها أوضاعٌ اجتماعيّة التي من المهم أخذها بعين الاعتبار. فبعض المؤسّسات قد تتحالف مع القوى المستعمِرة لفلسطين، وهي قد تكون مؤسّسات وطنيّة فلسطينيّة أو من منظّمات المجتمع المدني. أمّا المؤسّسات القائمة خارج فلسطين، فقد تكون متواطِئة مع الاستعمار في فلسطين أو قد تكون مناوِئة له، حيث أنَّ التواطؤَ والمقاومة قد يكونان معقَّدين ومتناقضَين. وللمزيد من التعقيد، فإنَّ هذه المؤسّسات قد تحتوي على جيوبٍ من المعارضة أو من درجات متفاوِتةٍ من التواطؤ أو المقاومة؛ بحيث لا يمكن اختزال الأفراد بمؤسَّساتهم.

وأخيراً، قد يتضمّن البحث حول الفلسطينيّين في الشتات مجموعة من الاعتبارات التي تختلف كثيراً عن البحث داخل فلسطين. بكافّة الأحوال، يظلّ المبدأ الأساسي في تقييم مَوضعيّة الباحثين (مكانهم ومَوقعهم)، والمشاركين في الأبحاث، والمؤسّسات أمراً يقع في صلب أيّ تحليل للاعتبارات والواجبات الأخلاقيّة.

 

2- تجنّب إلحاق الضرر

مع العلم أنّ واقع الحياة التي نعيشها يفرض علينا في الكثير من الأحيان الموازنة بين مصالح مُتضاربة، ينبغي للباحثين السعي لتجنّب إلحاق الضرر بالسلامة الجسديّة والنفسيّة للمشاركين في الأبحاث. للباحثات والباحثين في الحقل الاثنوغرافي دَور حيويّ في نقد الاستعمار الاستيطاني، وهياكل القوّة والاضطهاد. ومع ذلك، ينبغي لهم السعي لاحترام حقوق وكرامة المشاركين في البحث.

على الباحثين الإدراك أنّه ليس من حقّهم دراسة أيّ شيء يريدون دراسته، حيث أنَّ اكتساب المعرفة ليس بحد ذاته سبباً كافياً يبرّر الإضرار بالسلامة أو انتهاك كرامة المشاركين في الأبحاث. على الباحثين أن يقوموا أيضاً بالتعرّف على الأعرافِ المحليّة واحترامها إلى الحدّ الذي يتوافق مع الاعتبارات الأخلاقيّة الأخرى.

بحال كان الباحثون غيرَ متأكّدين ممّا إن كان بدء بحث أو مواصلة بحث ما قد يُلحق الضرر بالمشاركين، فإنّ عليهم إعطاء الأولويّة لحقوق وسلامة المشاركين في البحث وتغليبها على مصلحتِهم الخاصة في إجراء الأبحاث.

على الباحثين تقدير التأثيرات والعواقب المختلفة على المشاركين في البحث، بما فيها الآثار بعيدة المدى، واتّخاذ الخطوات اللازمة لتجنّب الأذى المتوقَّع. في بعض الحالات الحسّاسة، وخصوصاً في الحالات التي تتعرّض فيها سلامة المجموعات المستضعَفة للخطر، قد تتضمّن الامتناع عن نشر البيانات.

 

3- مبادئ القبول والموافقة على المُشاركة في البحث

الموافقة هي مبدأٌ أساسيّ في البحث الإثنوغرافي، حيث لا ينبغي للمحاورين إجراء أي دراسة على المشاركين في الأبحاث من دون الحصول على موافقتهم المطّلعة. وهذا يعني أنّ عليهم أن يفهموا نطاقَ المشروع البحثي عموماً، ومن يقومُ بتمويله، والمخاطر و/أو المنافع التي قد تتأتّى لهم، وكيف سيتمّ تعميم النتائج التي سيتوصّل إليها الباحث/ة.

 

3-1 ينبغي على الموافقَة على المشاركة في البحث أن تكون موافقة مُطّلعة

على الباحثين السعي إلى التأكّد من أنّ المشاركين في دراساتهم يفهمون المفاهيم الرئيسيّة لأبحاثهم، كالتالي:

·      أسئلة البحث؛

·      مصادر تمويل البحث؛

·      كيف ولِمَن سيجري تعميم النتائج؛

·      المخاطر والمنافع المتوقَّعة للمشاركة في البحث؛

·      إن كان الباحث/ة ينوي استخدام أسماء مستَعارة في المنشورات؛

·      كيف سيتمّ تأمين البيانات الخام؛

·      إن كان في نيّة الباحث/ة إطلاع باحثين آخرين على البيانات الخام؛

·      إن كانت البيانات أو منتَجات البحث الأخرى ستكون متوفّرة للمشاركين أنفسهم؛

·      إن كان الباحث\ة يخطّط إتلاف بيانات البحث بعد فترة زمنيّة معيَّنة.

إذا كانت هناك أية حساسيّة سياسيّة لدى المشاركين في البحث، من المهمّ مناقشة التدابير لضمان سلامتهم.

 

3-2 ينبغي على الموافقة أن تكون فعليّة وليست شكليّة

تولي هيئات المراجَعة المؤسّساتيّة في بعض البلدان أهمّية كبرى لنماذج الموافقة الرسميّة، ونصوصها ووجود التواقيع عليها. كما ويمكن الحصول على الموافقة عبر جهاز تسجيل صوتي خلال المقابلة. في بعض الظروف السياسيّة المشحونة، وجود وثيقة خطيّة تبيّن أنَّ شخصاً ما (مثلا ناشط/ة) قد شارك في دراسة ما قد يُعرِّض هذا الشخص للخطر، وبالتالي قد يكون الاكتفاء بالموافقة الشفهية أكثر أخلاقيّة. بما يعني أن الأهمّ من شكل الموافقة هو نوعيّتها؛ كذلك فإنَّ الحصول على الموافقة بحدِّ ذاته لا يعفي الباحثين من واجبهم بحماية المشاركين في الأبحاث، الأمر الذي قد يتطلّب الرقابة الذاتيّة المتواصلة، والمرونة، والتكيّف من جانب الباحث/ة.

 

3-3 ينبغي الحصول على إذن في حال تصوير فيديو أو فوتوغرافي وفي حال التسجيل الصوتي

خلال توضيح مسألة الموافقة على الاشتراك في البحث، ينبغي على الباحثين أن يأخذوا في الاعتبار أنّه من الممكن المحافظة على سرّية هويّة الأشخاص الذين نـأخذ منهم اقتباسات (خطيّة أو شفهيّة)، ولكن لا يمكن المحافظة على سرّية هويّة الأشخاص في حال وجود صُور فوتوغرافيّة. على الباحثين أن يتذكّروا أنّ تعامل المجتمعات بما يخص التصوير وكل ما هو مُصوَّر يختلف من سياق لآخر. لا ينبغي أن يفترض الباحثون أنَّ قواعد التصوير السائدة في ثقافتهم مقبولة في أيّ مكان آخر، بل عليهم أن يتأكدوا من أنّ تصوير الفيديو أو التصوير الفوتوغرافي مقبول ولا يعتبر مخالفاً للأعراف المحليّة السائدة. التصوير الخفيّ أو من دون إذن ممنوع منعاً باتاً.

في هذا العصر الذي أصبح من الممكن فيه التعرّف على الأشخاص من خلال الصور والأفلام بفضل التكنولوجيا الرقمية، على الباحث/ة أن يكون شديد الانتباه في استخدام التصوير. فمجرّد أن القانون يسمح بتصوير الأشخاص في الأماكن العامّة لا يعني أنّ التصوير هو في كلّ الحالات فِعلٌ أخلاقي. لذا، ينبغي على الباحثين أن يكونوا حذرين لدى قيامهم بتصوير أعمال الاحتجاج، على سبيل المثال، بحيث يقومون بتغطية وجوه المشاركين أو تصويرهم من الخلف.

كذلك تنطبق شروط مماثلة على التسجيلات الصوتية. فتسجيلُ الصوت بشكل خفيّ هو عمل غير أخلاقي تقريبا في جميع الأحوال، وينبغي الحصول على إذن لتسجيل الصوت في اللقاءات العامّة ما لم يكن هناك إذن صريح للتسجيل. 

 

4- مسألة الشفافية

لا ينبغي أن ينخرطَ الباحثون في إجراء أبحاث خفيّة أو استخدام أساليب مخادِعة.

إنّ الملاحظة بالمشارَكة (وهي أسلوب إثنوغرافي معرفيّ) في الأماكن العامة دون التصريح علناً عن وجود الباحث هو أمر مسموح، لكن ينبغي للباحثين الانتباه إلى أنّ التمييز بين الحيّز العامّ والحيّز الخاصّ هو مسألة ثقافية. ينبغي على الباحثين الاهتمام بفهم واحترام معنى كلٍّ من الحيّزَين العام والخاص في الثقافات ذات الصلة.     

في الأماكن غير الرسمية حيث يقوم الباحث/ة بالمُلاحظَة والتفاعل مع عدد من الأشخاص، قد لا يكون القيام بتوزيع نماذج موافقة أمراً عملياًّ. ينبغي إيلاء انتباه خاصّ للأماكن التي لا يمكن للمشاركين فيها الابتعاد عن الباحثين، مثل أماكن العمل والغرف الصفّية. 

 

5- السرية وإخفاء الهوية

ينبغي المحافظة على الخصوصيّة والسرّية التامّة للمشاركين في الأبحاث من أجل أمنهم وسلامتهم. وينطبق هذا على المنشورات، وكذلك على المذكّرات الميدانيّة والموادّ الأخرى التي قد يطّلع عليها الآخرون بشكل غير متعمَّد. إذا رغب المشاركون بنشر أسمائهم، يجب على المؤلّفين أن يفسّروا لهم بوضوح النتائج المحتمَلة لذلك، ولكن عليهم احترام خيار المشاركين إذا أصرّوا على ذلك.

 

5-1 إخفاء هويّة المشاركين في البحث، ومحدوديّة ضمان السريّة

ينبغي أن يكون الباحثون قادرين على توقّع احتمالات التعرّف على هويّات المشاركين. وفي الأعمال المنشورة على وجه التحديد، على الباحثين أن يقوموا بإزالة ما يمكنه التعريف بالأشخاص، أو المجتمعات المحلّية، أو المنظّمات أو الأماكن إلى درجةٍ معقولة.كما أنَّ عليهم اتّخاذ احتياطات إضافيّة مع المعلومات الحسّاسة المعيّنة التي قد تعرِّض بعض المشاركين للخطر، أو الامتناع أصلاً عن الاحتفاظ بمثل هذه الوثائق. ويمكن استخدام تدابير إخفاء الهوية لتأمين الخصوصيّة والأمان بالنسبة للموادّ المكتوبة والمسجَّلة. وتنطبق هذه المبادئ التوجيهيّة على البيانات الخام والمعالَجة التي يتمّ إِطلاع الزملاء وأفراد المجتمع المحلّي الآخرين عليها بهدف التحليل أو التحضير للنشر أو لتقديم العروض.

ويجب الانتباه بشكلٍ خاصّ عند كتابة التقارير حول السلوك أو الكلام الذي قد يكون محرجاً أو مثيراً للجدل، أو السلوك أو الكلام الذي يولد مشاكل للمُشارك/ة مع السلطات. هناك عدّة طرقٍ يتبعها الباحثون والباحثات في الحقل الاثنوغرافي للتعامل مع مثل هذه الظروف، وهي تتضمّن: العودة إلى المحاوِر لأخذ الإذن لإدراج تقارير معينة، واستخدام الأسماء المستعارة، وتغيير أو حذف التفاصيل التي من شأنها أن تكشف هويّة الشخص، والتخلّي كلّياً عن استخدام اقتباس أو وصف معيّن.  

 

5-2 السرّية وتخزين البيانات

ينبغي عدم إطلاع الآخرين على البيانات بشكلها الخام بطريقة قد تؤدّي إلى مخالفة التعهّد للمشاركين بالسرّية وإخفاء الهوية، أو الأسباب المذكورة للبحث والتي جرت الموافقة المطلعة على أساسها. على الباحثين أن يتأكدوا من تخزين بياناتهم بشكل آمن لحين التصرّف بها.

يجب على الباحثين التصرّف بضمير حيّ لتأمين جميع بياناتهم. البيانات الصوتية والمرئية قد تكون حسّاسة جدّا. وينبغي الانتباه بشكل خاصّ لحماية البيانات وتشفيرها حيثما أمكن ذلك في المكان الذي يتمّ تخزينها فيه، حيث أنّها قد تشكل تهديداً كبيراً للمشاركين في الأبحاث. فإذا لم يكن الباحثون واثقين من قدرتهم على تأمين البيانات الصوتيّة والبصريّة الحسّاسة، ينبغي اتباع أساليب توثيق أخرى بدل ذلك (مثلاً استخدام المفكّرة الميدانيّة مع إخفاء الاسم). وينبغي الانتباه بشكل خاصّ عند نقل البيانات عبر الحدود والحواجز لضمان عدم مصادرتها أو نسخها.

 

5-3 استخدام البيانات وحمايتها

إنَّ الباحثين مُلزَمون بإطلاع المشاركين على جملة واسعة من الاستخدامات المحتمَلة للبيانات التي يتمّ جمعها. إذا قرّر الباحث/ة استخدام البيانات المجموعة لأغراض أو بطريقة بعيدة جداً عن التفاهمات الأصليّة التي تمّ التوصّل إليها مع المشاركين، ينبغي أن يحصل الباحث/ة على إذن للاستخدامات المختلفة إلى أقصى درجة ممكنة.

 

6- الإنصاف

بينما تستند الأبحاث الإثنوغرافيّة في الكثير من الأحيان إلى الثقة والتبادليّة بين المشاركين في الأبحاث، إلاّ أنّها تتضمن كذلك علاقات قوّة وتراتبيّات هرميّة اجتماعيّة وسياسيّة غير متساوية. ولتجنّب التوتّر وسوء الفهم، ينبغي أن تهدف الأبحاث الإثنوغرافية إلى إشراك المشاركين في البحث كشركاء في عمليّة إنتاج المعرفة، وذلك بعد استكمال عمليّة جمع البيانات أيضاً. 

 

6-1 التبادليّة والتعويض والدفع

تستند الأبحاث الإثنوغرافيّة إلى العلاقات المتبادَلة. يجب عدم استغلال المشاركين، أو المساعدين، أو المترجِمين أو العناصر غير البشريّة استغلالاً مادياًّ أو غير ذلك. وينبغي إعطاؤهم مقابلاً منصفاً لقاء المساعدة التي يقدّمونها، والذي قد يكون على شكل دفعات ماليّة متّفَق عليها مسبقاً أو طريقة أخرى للتعبير عن الامتنان، حسب الأعراف والتوقّعات المحلّية السائدة.

يقوم بعض الباحثين بدفع المال للمشاركين، وخاصّة للمحاورين الرئيسيّين الذين يقومون بترجمة النصوص، أو جلب مشاركين آخرين، أو يمضون ساعات طويلة في شرح السياقات المحلّية. لا توجد ممارسة نموذجيّة هنا، حيث أنّها قد تختلف حسب اختلاف السياق، والمسألة التي تجري دراستها، والقدرات الماديّة للباحثين. ويمكن اعتبار الدفعات غير أخلاقيّة إذا كان يُنظَر إليها محلّياً كرشوة تهدف إلى حثّ الناس على القيام بأمور يعتبرونها خاطئة أو لم يرغبوا بالقيام بها. كما أنَّ على الباحثين الانتباه إلى الضرر المحتمَل للدفعات، مثل زيادة عدم المساواة فيما بين المجتمعات المحلّية (وكذلك بين الباحثين) وخلق توقّعات مضلِّلة.

 

6-2 المشاركون في الأبحاث على أنهم مؤلّفين

قد يرغب الباحثون بدراسة مشاركين في الأبحاث، أو الاقتباس منهم، أو الاعتماد على أعمال من إنتاجهم، خارج المقابلات أو الأشكال التقليديّة لملاحظة المشاركين، والتي قد تتضمّن الموادّ المكتوبة (المنشورة وغير المنشورة)، والأعمال الفنّية، أو حتى منشورات مواقع التواصل الاجتماعي.عند الاعتماد على مثل هذه المواد، ينبغي أن ينتبه الباحثات والباحثون إلى احتمال وجود التزام أخلاقي تجاه المشاركين في الأبحاث كمؤلّفين - حسب السياق - حيث أنّ هذا قد يستوجب ذكر المؤلّفات والمؤلّفين، أو أخذ الإذن بإعادة إنتاج أعمالهم أو تقديم دفعات ماليّة لهم.

 

7- العلاقات مع الزملاء في الحقل المعرفي والمسؤوليات تجاه الحقل المعرفي

إن الفلسطينيّين الباحثين في الحقل الاثنوغرافي وأولئك الذين يبحثون فلسطين اثنوغرافياً هم أعضاء في مجتمع مهني معرفي وعليهم التزامات مهنيّة تجاهه ويدينون له بالدعم. فالتشاور مع الإثنوغرافيّين المحليّين والذين عملوا في السابق أو يعملون حالياًّ في فلسطين أو الفلسطينيون في الشتات يعتبر من آداب المهنة. ينبغي أن يأخذ مجتمع الإثنوغرافيّين في عين الاعتبار المعيقات والتهديدات التي يواجهها الباحثون والمبحوثون الفلسطينيّون في ظلّ الاستعمار الاستيطاني أو في الشتات، ومحدوديّة الموارد المادّية المتوفّرة لدى الكثير من الباحثات والباحثين الفلسطينيّين.

 

7-1 المسؤوليّة الفرديّة

إنّ الباحثين في فلسطين وحولها يخضعون بشكل عام للمعايير العامّة لسلوكيّات البحث العلمي وإلى التوجيهات الواردة في هذه الوثيقة، والتي تتضمّن التنويه بأبحاث الآخرين والامتناع عن التلفيق، والتزوير والانتحال. كما أنَّ على الباحثين التزاماً أخلاقياًّ تجاه زملائهم بعدم إجراء أبحاث على طريقة "اقطع واحرق"، والتي تجعل من الصعب على الزملاء السير على نهجهم أو القيام بأبحاث خاصّة بهم. كما أنّه يجب على الباحثين عدم التعدي على أو مضايقة الزملاء والمحاورين بأي شكل، وهذا يتضمن التحرّش الجنسي.

 

7-2 العلاقات بين الباحثين الزائرين والمقيمين

على الباحثات والباحثين الزائرين لفلسطين أو مجتمعات فلسطينية في الشتات الانتباه إلى عدم المساواة القائم في القوّة والموارد بالمقارنة مع النظراء المحليّين. على الباحثين الزائرين أن يبذلوا الجهد لإشراك الدارسين المحليّين في أنشطتهم البحثيّة، وأن يكونوا يقظين تجاه المخاطر المحتمَلة والأذى المحتمَل الذي قد يلحق بكلّ من الأطراف نتيجةً لبعض الاستفسارات البحثيّة.  

 

7-3 تبادل المواد البحثيّة

ينبغي أن تكون نتائج الأبحاث، ومنشوراتها، وبياناتها متاحة في البلد الذي أُجريَت فيه الأبحاث حيثما كان ذلك ممكناً. كما ينبغي ترجمة التقارير أو الإيجازات إلى اللغة المحلّية كلّما أمكن ذلك. على الباحثين تقدير الأثر المحتمَل لأعمالهم عند اتّخاذ قرار بشأن تعميمها وبشأن طرق التعميم.

 

7-4 الشركاء في الأبحاث

إن كان هناك تعاون مع الزملاء أو الطلاب، ينبغي أن يقوم الباحثون بتوضيح الحقوق، والمسؤوليّات، والتعويضات عن العمل. على المؤلّفين أن ينوّهوا بشكل علنيّ إلى المساعدة التي حصلوا عليها في أبحاثهم، وأن يقدّموا تعويضاً منصفاً لقاء ذلك. كذلك عليهم أن يقوموا بذكر المؤلّفين المشاركين أو الشركاء البحثيّين بشكل لائق. وينبغي الالتفات على وجه الخصوص إلى الباحثين المبتدئين والشركاء الآخرين المستضعَفين. على المشرِفين الأكاديميّين ومدراء المشاريع التأكّد من أنَّ الطلاّب ومساعدي الباحثين مطّلعون على المبادئ التوجيهيّة الأخلاقيّة "لإنسانيّات" وأنّهم يعملون وفقَها في أنشطتهم الأكاديميّة.

 

8- العلاقات مع الرعاة، والمموّلين، والجهات الناظمة للأبحاث خارج الحرم الجامعي

إنّ الالتزام الأخلاقي الأساسي الذي يقع على عاتق الباحثين هو التزام تجاه المشاركين في أبحاثهم قبل التزامهم تجاه الجهات المموّلة، أو الراعية أو الناظمة لأبحاثهم. كما أنّ عليهم التزام أخلاقي تجاه الجمهور الأوسع وتجاه الأرشيف العالمي للمعرفة الإنسانيّة الدقيقة. 

 

8-1 العلاقات مع السلطات الحكوميّة

يجب على الباحثين أن يفهموا النصوص والممارسات القانونيّة للحكومات التي تتمتّع بالولاية القضائيّة عليهم: أي قوانين بلدانهم والقوانين النافذة في المجتمعات التي يجرون أبحاثهم فيها. إنّ عدم فهم النصوص والممارسات القانونيّة المحلّية قد يعرّض للخطر سلامة الباحثين والمشاركين في الأبحاث على حدٍّ سواء.

إنّ مجرّد الالتزام بالقوانين أو الأنظمة الحكوميّة لا يشكّل أبداً وبحدّ ذاته بديلاً عن الحكم الأخلاقي للباحث نفسه. 

 

8-2 الأبحاث المموّلَة (التي تحظى برعاية)

يُطلَب من الباحثين في بعض الأحيان تقديم الاستشارة أو العمل لصالح هيئات حكوميّة أو جهات مانِحة سعياً وراء التعرّف على السّكان المحليّين لغايات التنمية الاقتصادية، أو إطلاق الحروب، أو لتقديم المساعدات الإنسانية، أو الصحّة العامة أو الإشراف البيئي. وكالعادة في مثل هذه الحالات، فإنَّ الالتزام الأخلاقي الأساسي للباحث/ة هو تجاه المشاركين في الأبحاث، وليس تجاه الهيئة التي تدفع له/ا. على الباحثين تجنّب المشاريع التي تتضمّن ممارسة السيطرة أو الاضطهاد على المجتمعات التي يقومون بدراستها. فإذا لم يشعر الباحث/ة بالراحة بأن يكون منفتحاً مع مجتمعه/ا البحثي بشأن ما يفعله/ا، فإنّ عليه الامتناع عن البدء بهذه الأبحاث.