أصواتٌ من غزّة

عندليب عدوان: نسوية، كاتبة، معلمة

هذه مجموعة من الرسائل التي تمكنت عندليب من إرسالها عبر تطبيق الواتساب في الفترة بين ٨ تشرين الأول/أكتوبر و٨ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٣. ٠


الأحد، ٨ تشرين الأول/أكتوبر
 

شكراً، كلنا بخير

والله أنا والكل بخير، مش قادرة أكتب هلأ، في كثير ضجة وناس حولنا، وكثير أشياء بتصير. أنا في بيت أهل كنتي (زوجة ابني).٠

 

الإثنين، ٩ تشرين الأول/أكتوبر (الساعة التاسعة والنصف مساء)

كلنا عالقين في مخزن البيت: الصبايا وأنا وأحفادي، وأمهم وأهلها وابن خالها وزوجته وأولاده، كلنا محبوسين في البيسمنت (المخزن)، قرب الجامعة الإسلامية وكل القصف قربنا مباشرة. الوضع لا يُوصف والرعب يفوق الخيال، البيت تضرر كثير والدمار في كل مكان حولنا وفوقنا. ابني، محمد، الصحفي، موجود في ساحة مستشفى الشفاء هو وكل الإعلاميين اللي اضطروا لإخلاء مكاتبهم الصحفية بعد إنذارهم.٠

على فكرة نحنا على هاي الحال من الساعة ١٢ الظهر

وأنا خلص انهديت وأعصابي تعبت، فقررت إنه أكتب لكم

غارات الطائرات مستمرة، ما في مجال حتى نروح على الحمام، بنروح اثنين اثنين من الخوف

معنا اثنين من أحفادي، وولد آخر وبنت، أطفال ابن خال كنتي، يعني أربعة أطفال

(مرت ١٠ دقائق من دون قصف)

[٠...٠هل يمكنكم الخروج؟]

لا صعب نطلع ... الشوارع مدمرة ... ولا يمكن للسيارات أنه تمشي بالشوارع .. والدنيا عتمة عالآخر، وما فش أية إضاءة في الشوارع

٠... في كثير ناس حاولوا يطلعوا، وعلقوا في الشوارع

هم بيتبعوا طريقة اسمها حزام ناري في المناطق

لتقسيمها إلى مربعات معزولة عن بعضها

يا رب يكونوا خلصوا

نحن ننتظر طلوع الصباح

 ٠[أرسلت عندليب فيديو قصير عبر الانستغرام صوره تلفزيون العربي خلال النهار للشارع والمباني شبه المدمرة حيث يختبئون] 

احنا محشورين بهاي الدار.٠

 

الثلاثاء، ١٠ تشرين الأول/أكتوبر 

(صباحاً)

أخلينا البيت لأنهم بدهم يقصفوا العمارتين المقابلتين للبيت

٠... مشينا طريق طويلة وسط الدمار حتى يعرف محمد يوصلنا بالسيارة لفندق الديرة

(مساء)

الحمد لله نحنا بخير والأولاد كويسين وفرحانين لأنهم اجتمعوا مع أبوهم

٠... وقدرنا نتحمم لنشيل الغبرة والأوساخ من أجسادنا

٠.. يعني أحوالنا أحسن بكثير، الحمد لله

 

الأربعاء، ١١ تشرين الأول/أكتوبر 

صباح الخير ... امبارح، بنصف الليل، أخلينا الأوتيل اللي لجأنا إله لأنهم بدهم يقصفوا المنطقة. رحنا، احنا وناس ثانيين، لبيت ناس من أقارب كنتي (زوجة ابني). هينا كمان شوي بدنا نرجع على الأوتيل، هههههه، أنا فقدت الإحساس بشكل فظيع

بتعرفي، إسرائيل ملهاش كبير، واحنا الفلسطينية ما بنسوى شي ... دمنا كثير رخيص

رجعنا على الأوتيل، وبعد نصف ساعة ضربوا العمارة قبالنا بالزبط بالفوسفور الأبيض... انخنقنا وهربنا مرة ثانية من الأوتيل، وهينا هلا عند دار عم كنتي

 

الخميس، ١٢ تشرين الأول/أكتوبر 

صباح الخير، نحنا بخير حبيبتي

بتقدري تفهمي من الأخبار لوين رايحة الأمور وشو راح يصير؟

 

الجمعة، ١٣ تشرين الأول/أكتوبر

الحمد لله وصلنا رفح بالسلامة، أنا مع عائلتي، دار عدوان

 

الإثنين، ١٦ تشرين الأول/أكتوبر

صباح الخير، نحنا بخير حبيبتي

٠... فش مياه شرب كفاية عندنا وعند كل الناس

٠... واثنين من أطفالنا مرضوا .. سخونة ونتق (تقيؤ)

والله يفرجها من عنده

 

الثلاثاء، ١٧ تشرين الأول/أكتوبر

صباح الخير حبيبتي، احنا بخير

والأولاد تحسنوا شوي

القصف مستمر في منطقتنا من الفجر ... وفي شهداء وجرحى

٠... من ساعات الفجر والقصف مستمر حولنا بكل مكان

٠... في كثير كثير قتلى وجرحى

٠... في كثير قتلى وجرحى

 

الأربعاء، ١٨ تشرين الأول/أكتوبر

احنا جميعنا بخير

بانتظار أخبار عن وقف إطلاق النار

على ما يبدو أن الوغد بايدن وجميع الأوغاد مصرّين على تنفيذ خطتهم على جلد أهل غزة

 

الجمعة، ٢٠ تشرين الأول/أكتوبر

نحنا لسه عايشين، القصف مستمر حولنا برفح وبكل الأماكن

 

السبت، ٢١ تشرين الأول/أكتوبر

صباح الخير صديقتي العزيزة

كانت ليلة صعبة في رفح

قصف كثير

 

الأحد، ٢٢ تشرين الأول/أكتوبر

بحاول أظل قوية وأحافظ على أمل أنه هذا الهراء (الخراء) راح يتوقف

شكراً على الدعم والأمل

نحنا نجينا جميعنا رغم أنه القصف في كل مكان حولينا

 

الإثنين، ٢٣ تشرين الأول/أكتوبر

بصراحة، ليلة الأمس كانت فظيعة بس نحنا نجينا والحمد لله.٠

 

الخميس، ٢٦ تشرين الأول/أكتوبر

صباح الخير

أرجوك ظلك إزعجيني

رسائلك بتخليني أحس أني مش مقطوعة عن العالم

 

الأحد، ٢٩ تشرين الأول/أكتوبر

صباح الخير حبيبتي

اشتقت لك كثير أنا كمان

الأطفال بخير. الأكل متوفر، بس نادراً ما نلاقي ماء للشرب. سعر الماء صار ثلاثة أضعاف.٠

 

الإثنين، ٣٠ تشرين الأول/أكتوبر

مرحباً عزيزتي

أنا بخير

بعثت تليفوني لينشحن

فما كان معي

كانت ليلة عصيبة

وكان القصف قريب منا

 

الثلاثاء، ٣١ تشرين الأول/أكتوبر (صباحاً)

الليلة كانت ماشي حالها.٠

بس القصف في هاي اللحظات قريب.٠

ما في كهرباء بالمرة. وما في صوت للمولدات الكهربائية في الشارع لأنه ما في غاز ولا ديزل.٠

ركّبنا ألواح شمسية بتكفينا نشحن التليفونات والبطاريات لإضاءة صغيرة بالليل.٠

الطابور طويل كثير على الخبز. بياخذ وقت كثير لنقدر نشتري الخبز. وربطة الخبز صار سعرها أضعاف والإنترنت بيجي وبيروح وضعيف كثير.٠

والمياه غير صالحة للشرب وبنشتريها بضعف السعر. وبنستخدم أشياء بلاستيك حتى ما نضطر لجلي الصحون.٠

وبنجمع أي مياه لتنظيف المرحاض

وما بنعرف ننام، نومنا متقطع.٠

٠"أ" و"م" وأولادهم الاثنين معي

وزميل "م" في الشغل وزوجته وأطفالهم الثلاثة، وبنت أختي وأولادها الاثنين، وأخوها في نفس المبنى في الشقة المقابلة لنا، عنده ٦ أطفال.٠

اه، احنا مجموعة كبيرة

وابن عمي، وابو بنت أختي المتوفية وزوجته الحالية في الطابق الأول.٠

 

الأربعاء، ١ تشرين الثاني/ نوفمبر

صباح الخير

انقطعت شبكة الانترنت من امبارح بالليل لحد قبل ساعة.٠

دمروا مخيم جباليا امبارح واليوم.٠

مش عارفة كيف أقلق ولا اتطمن

هذا الخدر مش طبيعي

ما عاد في اشي فارق علي.٠

 

الثلاثاء، ٧ تشرين الثاني/ نوفمبر

صباح الخير

منذ بدأت الحرب قبل ثلاثين يوماً بالتمام والكمال، وأنا أتهرب من الكتابة عن أهوالها التي نعانيها بشكل لحظي ومتواصل في غزة. تهربت حتى من الحديث للصحافة الأجنبية وكذلك المحلية الذين تواصلوا معي وبعضهم أصدقاء قدامى أو أصدقاء لأصدقاء. تهربت تحت مبررات وذرائع كثيرة، منها ضجيج الأطفال الكثيرين حولي والتربص بحروبهم الصغيرة ومحاولة منعها قبل نشوبها أو إخمادها في بداياتها وأنا الجدة التي تحاول أن تكون حازمة وعادلة بين أحفادها والصغار الآخرين، حيث لجأنا في مدينة غزة قبل أن نتركها مرتين لدى أهل وأقارب زوجة إبني، ومرتين إلى فندقين مختلفين، ثم نزحنا مرة أخرى عند أقاربي في مخيم رفح في جنوب قطاع غزة، وكثيراً ما باءت محاولاتي بالفشل، فالصغار خرجوا عن السيطرة تماماً وبشكل لا يصدق، وأصبحوا يتعاملون بالعنف والتوحش، حيث يستخدمون أيديهم وأرجلهم وأسنانهم في الهجوم على بعض، وبعضهم لم يعد يبكي أو يصرخ أثناء المعركة والضرب أو تلقي الضرب. أحياناً كنا ننتبه لنشوب معركة من صوت الصفعات أو وقوع شيء بجانبهم، سلمى ذات العامين ونصف العام، تمشي وتلطش الآخرين كباراً وصغاراً يميناً وشمالاً دون سابق إنذار. استنزفتني هذه المعارك كثيراً لانهاءها أو منعها أو تطييب الخواطر بعدها، وكنت أقنع نفسي بأن لدي مهمة عظيمة تشغلني عن لقاءات صحفية لا تُسمن ولا تغني من جوع، فالحرام بيّن والحلال بيّن، ومن لا يرى من غرباله أن الفلسطينيين أصحاب حق، فهو أعمى ولن يرى أو يفهم شيئاً، لا من لقاءات صحفية ولا من غيره .. وعدا عن ذلك، فالفضائيات تنقل مباشرة قصف الأحياء ببيوتها وعماراتها المكتظة على رؤوس ساكنيها، وقصف المستشفيات بجرحاها والمدارس والكنائس بالآلاف من النازحين إليها، ماذا ستضيف كلماتي إذاً لهذا العالم الأصم والأعمى؟.. لا شيء ...٠

والى جانب مهمة منع حروب الصغار، لدي مهمة أخرى لا تقل أهمية عنها، وهي عملية إدارة الموارد الغذائية وتشمل عملية الطبخ، وتوزيع حصص الطعام بين الرجال والنساء والأطفال، واستلام الخبز وحفظه بالتجفيف، وتخبئته من القط الأبيض المسن الذي يأتي من الشباك كل ليلة باحثاً عن الطعام. هذه المهمات يتبعها الإشراف على التخلص من القمامة المتجمعة بشكل يومي حتى لا يبعثرها القط في المنزل أثناء نومنا ... فأرجوكم لا تستهينوا بمهامي هذه، فهي أهم كثيراً من الثرثرة للصحافة، وأسهل كثيراً من استخدام انترنت متقطع وغير مستقر وأكثر راحة لي من التحدث بالإنجليزية التي لم يتبقَ منها شيئا في رأسي.. ولكي أكون أكثر أمانة، فأنا لم أعد أتمتع أيضا بالطلاقة في التحدث بالعربية، أو بالأحرى يستغرقني وقت لأتذكر الكثير من المعاني والكلمات والأسماء والتعابير .. وهذه الحالة تجعلني أبدو وكأني استيقظت للتو من النوم أو من الغيبوبة ...٠

إذاً لنتفق على أني أقوم بمهمات ميدانية وذات قيمة على المشهد في أماكن النزوح التي لجأنا إليها ..بل إن ابن اختي الأربعيني منحني لقب وزيرة التغذية والتموين وقد فرحت باللقب كثيراً. ولا يشوب فرحي به سوى أصوات القصف القريب والبعيد، وأصوات الموتورات التي تعمل بالغاز والكاز والبنزين لرفع المياه إلى الأسطح المثقلة بالبراميل والأخشاب والأحذية القديمة والسجادات البالية والزجاجات البلاستيكية الفارغة ومتفرقات أخرى من الكراكيع بالإضافة لحبال الغسيل اليدوي المغرق بالمياه حيث لم تستطع أيدي النسوة المتعبة من تعصيره بالشكل المطلوب خاصة وأن معظم هؤلاء النسوة من الشابات الصغيرات اللواتي لم يقمن بعملية الغسيل اليدوي من قبل في حياتهن القصيرة بين الحرب والحرب خلال الخمسة عشر عاماً الماضية.. أي نعم طوال هذه السنين عانينا من انقطاع الكهرباء المبرمج ولكن الغالبية من النساء رتبن أمور الغسيل بالغسالات الكهربائية بما يتناسب مع مواعيد وصل الكهرباء، حتى في الحروب السابقة لم تنقطع الكهرباء هذا الانقطاع التام المتواصل والكامل مثل الحرب الحالية ..٠

المهم لنرجع إلى انشغالاتي اليومية التي شغلتني عن الحديث والكتابة عن هذه الحرب. كان الاطمئنان اليومي على زميلات العمل والرد على الصديقات المتواصلات بشكل مستمر للاطمئنان علينا، واحدة من المهام التي أقوم بها، سواء ما يتيسر لي من الاتصال الهاتفي الخلوي، أو بالكتابة على مجموعات الواتساب عبر المتاح من الانترنت، كما أن سماع أخبار المعارك اليومية بين النازحين المتكدسين بالعشرات فوق بعضهم البعض في البيوت الصغيرة المتلاصقة في حواري المخيم كانت إحدى انشغالاتي كذلك ... يا الله كم أن الناس مضغوطين وخائفين ومتوترين ..نحتاج سنوات من العلاج لنخرج مما نحن فيه إن لم نخرج من الحياة قبلها .. نحتاج سنوات من الأعمار والتعمير لتعويض ما تم تدميره ونحتاج سنوات أخرى لتوثيق وتسجيل الأهوال التي نعيشها ولا نعرف متى ستنتهي، لا نعرف إن كنا سنشهد نهايتها ام ستشهد نهايتنا نحن؟؟

هذه ليلة ليلاء في رفح .. أنا أكتب ويعتريني خوف كبير، الله يسترنا

كانت أصعب ليلة لنا في رفح

 

الأربعاء، ٨ تشرين الثاني/ نوفمبر

سمعت امبارح أنه بيتنا [في مدينة غزة] تدمّر والحارة كلها تدمرت كمان.٠

أنا قلقانة على أغراضنا الشخصية.٠

في حرامية في غزة

بيسرقوا المباني المدمرة

أنا مش قلقانة على الأشياء التي يُمكن نجيب بدالها

أنا قلقانة على ألبومات الصور

على الذكريات

بكل الأحوال، أنا محظوظة أنني لا أزال على قيد الحياة.٠

 

عندليب عدوان ناشطة في مجال حقوق المرأة والديمقراطية في غزة، وهي مُؤسِّسة ومديرة مركز التنمية والإعلام المجتمعي في مدينة غزة الذي ينشط في أوساط الشباب والنساء لتعزيز الفضاء الديمقراطي والتعبير عن الذات من خلال وسائل إعلام واعية لمسؤولية المواطن الاجتماعية. يمكن قراءة ما كتبته عن الحرب الإسرائيلية على غزة عام ٢٠٢١ هنا ومقابلة معها سنة ٢٠١٢ هنا

* تم نشر اصدار من هذا المنشور باللغة الإيطالية من قبل Pagine Esteri.