أصواتٌ من غزّة

أ. صحفي ومترجم

فيما يلي رسائل صوتية أرسلها الصحفي أ. إلى أصدقائه ابتداء من تاريخ ١٢ تشرين الأول-أكتوبر ٢٠٢٣

الخميس ١٢ تشرين الأول/أكتوبر 

الوضع الحالي في غزة صعب كثير، خاصة بعد التهديد اللي نشره أفيخاي أدرعي، رئيس قسم الإعلام العربي في وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أنه أهل غزة يخلوا للجنوب. طبعاً زي ما بتعرفوا أنه سكان المناطق الحدودية لغزة كلهم كانوا مخليين مناطقهم ونزحوا إلى وسط البلد في قلب غزة، وبعدها على طول فجر الإسرائيليون منطقة الرمال اللي كانت تعتبر أكثر منطقة آمنة في غزة. هذا تهجير جماعي، صارت الناس زي التغريبة الفلسطينية. الفلسطينيون عالقون في الشوارع، اللي حامل ابنه، واللي حامل قزازة مي فاضية، واللي حامل أمه أو حد ثاني كبير مش قادر يمشي أو يتحرك، وكله بيخلي. أو جزء كبير بيخلي ليتوجه للجنوب، والأعداد هائلة. أصلاً المنطقة مكتظة، ٢.٣ مليون نسمة محصورين في مساحة ضيقة جدا، فكيف بدك تحصريهم في منطقة زي الجنوب اللي ما بتقدر تستوعب كل النازحين إلها.٠

فالوضع كثير كثير صعب. أنا الآن في الشارع معي سيارة عجلها مبنشر فأنا وقفت. صراحة أنا مذهول من الأعداد الهائلة من الناس اللي منتشرة بالشوارع.٠

يعني الوضع محزن جداً جداً.٠

هذا إلى جانب اغتيال الإسرائيليين للطواقم الطبية والصحفيين. أكثر من ١٢ سيارة إسعاف تم تفجيرها.٠

ما في انترنت، ما في كونيكشن [اتصال بالشبكة]، ما في باور [كهرباء]، ما في أي حاجة. فجروا مولدات كهرباء وأماكن توزيع الانترنت وشبكة الاتصال في غزة. يعني أنا الآن برن على زملائي الصحفيين، ما في شبكة عندي، وما في إرسال.٠

فالوضع كثير كثير صعب.٠

ارتكبت إسرائيل أكثر من ٢٣ مجزرة. أزالوا عائلات كاملة من السجل المدني، من خلال تفجير طوابق سكنية من دون أدنى تنبيه أو تحذير. عائلات يكونوا مثلاً أقاربهم مخليين وجايين عندهم. بفجروا عائلة كاملة، كلها عائلة مدنية: ناس ما بشكلوا أي تهديد. أكثر من ٦٠٪ من الشهداء من الأطفال، وعدد كبير من النساء.٠

هذا الاحتلال الوحش.٠

يرتكبون إبادة جماعية في غزة. إنه نوع من التطهير العرقي مثل اللي صار بالنكبة.٠

 

الجمعة ١٣ تشرين الثاني/ أكتوبر

ما فش أي مكان آمن في غزة. ما فش أي شخص آمن. بالإضافة إلى كل ذلك، اسرائيل بتتبع أسلوب ترهيب وتهديد لبعض العائلات. يبعثوا رسالة لعائلة بتكون مثلاً ٤٠ أو ٥٠ شخص في نفس المنزل. ببعثولهم رسالة من خلال أسطوانة [مسجلة مسبقاً] أو من خلال اتصال أنه "إخلوا البيت." العائلة بتطلع، والعائلات المجاورة الها بتطلع. بيطلعوا آلاف الناس على الشارع في دقائق للحفاظ على عائلاتهم، العائلات، والأطفال، والنساء، كلهم بيطلعوا وبعدين بيرجعوا. وبيحصل القصف بمكان آخر.٠

هم بالأغلب لما يقصفوا ما بحذروا الناس. إضافة إلى أنه من الأشياء اللي بدأوا فيها هاي الحرب، الأكثر دموية، هو تفجير الأبراج السكنية، أبراج كبيرة. (...) [مثل] برج فلسطين. بعيش بالبرج ٨٢ أسرة. طيب ال٨٢ أسرة هاي وين بدها تروح؟ ضربوا برج فلسطين. ضربوا برج وطن. ضربوا برج الأحلام. كثير كثير أبراج.٠

الوضع يعني صعب جداً. وأنا كصحفي مش قادر أتبع الأخبار. مش قادر أتواصل مع الآخرين. مش قادر أتّبع ... عندي مقابلات ومقالات كثير. صرت أكتب المقالات على ورق، لأنه ما في أنترنت وما في كهرباء. ما في شحن للجوال أو اللابتوب. صرت أكتب المقال على ورقة وبس أخلص [وبدي] أبعته، أصوره. كثير أشياء بنكتبها ما بتوصل لأنه ما في انترنت. الوضع صعب كثير كثير.٠

أنا حتى ما بضمن انه الاشي اللي برسللك إياه .. "الريكورد" [التسجيل] اللي قاعد بعمله هلأ أنه يوصلك ولا لأ. وأنه يوصلك وأنا عايش لسا ولا لأ. (...) الصحفيين حتى مش سالمين من العنف والحرب اللي عم بتصير.٠

الأطفال بيبكوا زي ما بتسمعوا. أنا في البيت عندي أكثر من ٥٠ شخص قاعدين. البيت اللي جنبنا فيه أكثر من ٥٠ شخص. عائلات بأكملها بتخلي من مناطق كبيرة في قطاع غزة. كثير في صحف بتتواصل معي، بس مش قادر أكتب. (...) ومش قادر أتواصل معاهم.٠

فش حدا في غزة حتى الآن إلا فقد عزيز. فش حدا إلا فقد ناس من عائلته. فش حدا إلا بيته تدمر.٠

أخواتي الثنتين هيهم ببيتنا. الصبح راحوا يتفقدوا بيتهم. بيتهم مدمّر بشكل كامل. خطيب بنت خالي استشهد. ما حدا بيعرف عنه اشي حتى الآن. الأمور صعبة كثير.٠

أنا كصحفي بنشر باللغة الإنجليزية، أنا مستغرب: وين "الويست"، وين الغرب؟ وين حقوق الإنسان؟ وين "الانترناشينال لو" [القانون الدولي]؟ وين المنظمات؟ وين اليو أن [الأمم المتحدة]؟ وين المنظمات اللي بتدعي أنها تهتم بالإنسانية وبتدعي أنها مع الإنسان؟ اللي بصير هاي جرائم حرب. اللي بصير هاي اختراقات للقوانين الدولية. اللي بصير هذا جينوسايد [إبادة جماعية]. اللي بصير هذا لازم يتوقف بأقرب وقت.٠

وإحنا بنحمل المسؤولية للدول العربية. وبنحمل المسؤولية للغرب؛ للحكومات الغربية اللي هي بتساعد وبتدعم الاحتلال الإسرائيلي بأسلحتها. الأسلحة هاي اللي بستخدموها ليدمروا فيها الأطفال وبدمروا فيها الشيوخ وبدمروا النساء. الوضع خطير جداً وما حدا بيضمن إذا رح يظل عايش أو لأ. أنا في اللحظة هاي عندي انترنت. ما بعرف بعد شوي إذا راح يكون عندي انترنت أو لأ.٠

 

السبت ١٤ تشرين الأول/أكتوبر (صباحاً)

مرحبا كتير مبسوط وكثير فخور بكل اشي انتو بتعملوه. يعني انتو بتغيروا العالم. المسيرات اللي بتطلع والتضامن اللي بصير من الغرب من برا ومن الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، هو اللي بخلي العالم كله صار يتطلع لقضيتنا وصار يتطلع للمجازر اللي بتصير هنا. عن جد أنا فخور. وكل أهل غزة عشمهم الوحيد وأملهم في الشعوب اللي برا أنها تضغط أكثر ويصير في وقف للمجازر اللي بتصير.٠

الحمد لله أنا وعائلتي بخير. امبارح هددوا أنه الكل يطلع على الجنوب، وأثناء ما الناس كانت طالعة على الجنوب اغتالوا مجموعة من الناس وهم في طريقهم. أكثر من ٧٠ شهيد، وأكثر من ٢٠٠ إصابة وهم في الطريق. معظمهم أطفال ونساء. بصراحة إحنا ضلينا في بيتنا. ما تركنا البيت. قلنا اذا بدنا نموت، بنموت في بيتنا. مش هنعمل نكبة ثانية احنا.٠

الأمور شوي صعبة. المي، ما في مي خالص. ما في كهربا خالص من بداية الحرب. فصرنا نجيب مي حلوة. طبعاً صعب نوصل للناس اللي بتعبي مي حلوة. صرنا نحاول نجيب مي حلوة نستخدمها والاشي صعب كثير. فصرنا نحاول نثقف حالنا عن كيف نستخدم المي: يعني ما تستخدموا مي كثير، ما تغسلوا كثير، لما تغسلوا انتبهوا .. أمور صعبة. هذا الوضع الحالي.٠

 

السبت ١٤ تشرين الأول/أكتوبر (مساء)

للأسف الشديد، وصلني خبر استشهاد صديق عزيز الي. شب مثل الوردة. أقسم بالله اشي بيقهر قهر. كثير زعلت عليه. هو برضه بيعرفوه [المجموعة التضامنية الإيطالية] "غزة فري ستايل" لما كانوا في غزة كان معنا. لأنه هو من مجموعة "نحن لسنا أرقاماً".. هو كاتب. كتب أكثر من مقال. ونشر برضه على موقع "بالستاين كرونيكل".٠

حسابه على الصفحة عندي. أنا نزلت صورتي معاه ونشرت حسابه. فوتي شوفي صفحته ما أجملها وما أحلاها وما أحلى الأشياء اللي كان ينزلها. الله يرحمه استشهد هو وعائلته.٠

الخبر كيف وصلني؟ الخبر وصلني من أمريكا. الانترنت بيجي بشكل متقطع. يعني كل ٥-٦ ساعات لما يجي يا دوب أتلقى إشعارات. مش عارف اذا ابن عمه أو شو.. بس واحد من أمريكا بعتلي حكالي أنه يوسف استشهد. حكيتله انت كذاب. هاي رقمي كلمني إذا انت بتحكي عنجد. كلمني وهو بيبكي وحكالي أنه وصلهم الخبر إنه هو وعائلته استشهدوا. حتى كان عندهم نازحين في بيتهم في بيت لاهيا. استشهدوا بدون أي إنذار وبدون أي تحذير. تم قصف البيت على رؤوسهم واستشهد المعظم. أطفال ونساء. وحتى الآن في ناس تحت الركام، ما بيعرفوا اذا هم استشهدوا أو لا. ومن ضمن الشباب اللي طلعوهم كان يوسف. الله يرحمه يا رب ويتقبله مع الشهداء.٠

أنا فخور كثير أني بعرفك. وإن شاء الله إذا الله كتبلنا عمر بنتقابل ... [صوت قصف قوي وقريب] أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله. كل شوي الصوت زي هيك، أو أقوى من هيك.٠

 

الأحد ١٥ تشرين الأول/ أكتوبر (صباحاً)

مرحباً، بتمنى تكونوا بخير. إن شاء الله يا رب تخلّص كل هالظروف الصعبة على خير، لأنه عن جد تعبنا، مش قادرين نتحمل أكثر من هيك خالص. الحمد لله اليوم هادي نوعاً ما. الليلة كانت هادية. صار في ضرب جامد، بس إجمالاً الليلة كانت هادية. أنا ما زلت في بيتي في غزة. كثير ناس طلعت على الجنوب، ولكن الأكثر ظل في غزة [المدينة] بعد ما شافوا المجزرة [في الطريق للجنوب]. أكثر من ٧٠ واحد استشهدوا وأكثر من ٢٠٠ تصاوبوا. الناس خافت. حتى اللي كان بده يطلع خاف. وبعد هيك صار ضرب كثير كثير كثير في الجنوب. صارت مجازر. أعداد كبيرة ٢٠ و٣٠ شهيد. ناس كانت تطلع من غزة وتروح على الجنوب مثل "شلتر" [بحثاً عن الأمان] عند حدا ثاني، يقصفوهم مع بعض. الناس خافت وبطّل في أمان. حتى في ناس من اللي طلعت على الجنوب، رجعت على غزة. الأونروا أعلنت أنه خدماتها حتكون بس في الجنوب، إنها انسحبت من غزة وانسحبت من الشمال. وبرامجها ضعيفة. برنامج الغذاء العالمي بيحكي أنه في مساعدات لأكثر من مليون و٣٠٠ شخص. ولكن المساعدات هاي من أدوية وغذاء عالقة على المعبر. طيب احنا تعبنا من الكلام. الناس بتموت من الجوع. المحلات في غزة ما ظل فيها أكل ولا ظل فيها بضاعة حتى الناس تشتري. يعني الناس اليوم لما تروح على المحل لتشتري "جروساري" [سلع من البقالة]، ما بتشتري "سناكس" [مشهيات] الناس بتشتري الأشياء الأساسية. اللي فيها كاربوهيدرات عالية حتى الشخص يظل قوي وما ياكل كثير. طبعاً في كل غزة، الناس الآن ما بتاكل كثير حتى ما تُجبَر تروح على الحمام. وما بتشرب كثير عشان ما تُجبر تروح على الحمام. موضوع الماء موضوع خطير جداً. انقطاع الكهرباء وانقطاع الانترنت أهون من انقطاع الماء. طبعاً الماء ما بتيجي خالص. ليش؟ لأنه ما في كهرباء، ولأنهم هم [الاحتلال الإسرائيلي] كانوا يوردوا ماء من عندهم، وهم وقفوا من عندهم. احنا عندنا الحنفية ما بتعطينا مياه حلوة [قبل الحرب الإسرائيلية على شعب غزة]. الماء الحلوة بتلف شاحنات بتعطيها للبيوت. الشاحنات هاي كلها وقفت لأنه في ناس كثير استشهدت من [عمال وسائقي] الشاحنات، ولأنه ما بيقدروا يجيبوا من الآبار مياه حلوة. أو الآبار خلصّت، أو أنها بعيدة وما بقدروا يوصلوا لمكان بعيد. فهلأ بطّل في مياه حلوة. والمشكلة فش مياه مالحة كمان. ما في حدا بتحمم هلأ بغسّل، وبغسل بيته. هلأ لما بدك تاكل ما تغسّل إيدك. امسح ايدك بمحارم. لما حدا بده يتوضى أو حدا وقع وتوسّخ، ما في هذا الكلام وما في حدا بده يغسل ملابسه. مشكلة المياه مشكلة كثير كبيرة. الناس صارت تحاول تجيب المياه الحلوة بفلوس عشان تحل المشكلة هاي. بس برضه الناس اللي بتعبي مياه حلوة، وقفت وبطلت تتحرك لأنه خلص خايفة على أرواحها، لأنه في ناس منها استشهدت. في مقال على "ميدل ايست أي" لواحد رايح يعبي مياه للناس، رجع بيته مجزرة. كل عائلته ميتة. الناس بتقلل استخدام المياه على قدر المستطاع. أول شيء، ما تاكلش كثير وما تشربش كثير عشان ما تروحش على الحمام. ولو بدك تروح الحمام، ما تستخدمش المياه في الحمام. المياه خليها للاشي الضروري القهري، للضروري جداً. بالنسبة لمياه الشرب، [قبل الحرب الإسرائيلية على شعب غزة] صارت دراسات للمياه اللي بنشربها. أكثر من ٩٧٪ غير صالحة للاستخدام الآدمي. هذه المياه صارت الآن غير موجودة. فالناس بتشرب مياه مالحة إذا وُجِدَت. هذه كارثة. في ناس بتمسك جالون كبير ٢٠ لتر، وبتروح على أقرب مكان من المنطقة عندهم فيه مياه وبتعبي منه. اليوم كنت بحكي مع صديقي بحكيلي أنا نفسيتي تعبت، أنا صار لي ٧ أيام مش متحمم. طيب هذا اشي إجرام. هذا اشي كارثي.٠

الأحد ١٥ تشرين الأول/ أكتوبر (بعد الظهر)

موضوع توقيف الدعم من أنه يدخل غزة، هذا أثره سلبي فوق الخيال خاصة على المستشفيات. لأنه حتى الآن أكثر من ١٠ من "الميديكس" [المُسعفين] استشهدوا. تم اغتيالهم بشكل مباشر أثناء عملهم. وأكثر من ١٢ سيارة إسعاف ضُرِبَت. طيب كيف بدهم يوصلوا المصابين [للمستشفيات]؟ صارت الناس إذا صار قصف قريب، واحد يشغل سيارته ويجازف بحياته ويروح يجيب الناس، لأنه الإسعاف صاروا يتأخروا. ما في سيارات إسعاف. إما السيارات انقصفت، أو الناس استشهدت، أو الطرق صعبة. في طرق مقصوفة دمار شامل، وما بتقدر السيارة تفوت فيها. فصاروا الناس -يمكن بتلاحظوا في الفيديوهات- يودوا المصابين والشهداء بالسيارت العادية، بالتاكسي، بالتُك تُك، بالموتورسايكل. بأي طريقة مواصلات صاروا يودوا الناس على المستشفى. بالمستشفى ما ظل وسع. ما ظل أسِرّة للمرضى والشهداء. صاروا الناس يظلوا على الأرض. اللي جرحه خفيف، بيعملوله أي حاجة وبحكوله يلا روح على بيتك لأنه في ناس جرحها أكبر منك. الوضع صعب كثير. حرام الدكاترة بيشتغلوا ٢٤ ساعة، ٧ أيام بالأسبوع. ما في عندهم نفس يرتاحوا. وعلى الرغم من هيك مش ملحقين. وبطالبوا أنه بدنا دعم، بدنا أدوية، مش قادرين نلحّق.٠

الاشي الثاني، صار في عدد شهداء كثير. حتى اللحظة هاي في أكثر من ٢٤٥٠، وفي الاحصائيات بتقول ٢٥٠٠ شهيد و٩٢٠٠ جريج. هذول وين بدهم يروحوا الشهداء؟ ثلاجات الموتى اللي في المستشفى بطّلت كافية. صاروا هلأ يجيبوا باصات "الايس كريم" [البوظة] ويحطوا فيها الشهداء فوق بعض. لأنه الشاحنات هاي فيها برودة، فصاروا يحطوا فيها الشهداء. وبحطوهم فوق بعض لأنه ما في وسع يحطوهم في أي مكان. الجرحى صاروا بالشوارع. في المستشفى برا. يعني أي حاجة وإطلع برا.٠

في فيديو لدكتور من أعمدة ومن أفضل دكاترة غزة وهو دكتور معروف جداً بحكي أنه احنا ٨٠٪ من الحالات اللي بتوصلنا هي لأطفال. وبيوصلوا لعندنا بإصابات خطيرة وغريبة. هم عم يستخدموا أسلحة زي الفسفور. بيستخدموا أسلحة مُحرَّمة دولياً. حتى أول مرة دكاترة غزة بيتعاملوا مع هاي الإصابات. فالدكاترة مش عارفين شو يعملوا بهاي الحالة، بنفس الوقت أنه ما في خدمات، بنفس الوقت أنه في عدد كبير من الأطباء والمسعفين استشهدوا، وبنفس الوقت أنه بطّل في قدرة عندهم يستحملوا أعداد أكبر من هيك.٠

السبت ٢١ تشرين الأول/ أكتوبر

أنا طفى جوالي [تليفوني] من امبارح، وبمليون عافية لإجت الكهرباء قبل شوي حتى أشحنه. حتى مش كهرباء، هذا ماتور احنا شابكينه وبيجي ساعة في اليوم. فمن امبارح جوالي طافي. حتى مش عارف أفوت أشوف شو الأخبار.٠

الحمد لله أنا بخير حتى الآن. الليلة كانت كثير كثير كثير صعبة. بس بتعرفي شغلة؟ وهي شغلة مش كويسة.. انه احنا مش انه تعودنا.. ولا أنه صار عنا لا مبالاة.. لا. بس احنا من كثر الفقد ومن هول الإشي اللي بصير، صار الاشي انه...خلص.. كل اشي متوقعينه ومستعدين اله.٠

الصبح تفاجأت بخبر استشهاد اخت صديقتي. هي شاعرة وشخصية راقية جداً. الله يرحمها. الكل صار ينزل على صفحته على الفيسبوك وعلى السوشيال ميديا أنه اذا استشهدت ادعولي، أو إنه أنا راح استشهد وهيك. بتحسي انه يعني كوابيس أو فيلم أو اشي مش حقيقي. بكون قاعد بحكي "طيب معقول هذا كله حلم؟ معقول كل هذا يخلص؟ طيب هل أصلاً كل هذا رح يخلص؟" ولكن الأمل موجود. كل هالألم والمعاناة هتخلص.٠

امبارح سلموا اثنتين أسيرات، واحدة وبنتها أمريكيات. واليوم دخلوا ٢٠ شاحنة مساعدات فقط. طبعاً أكيد صارت مثل مساومة أنه الأسيرات مقابل الشاحنات.٠

الضرب نسبياً بخف ولكن بالنهار فقط. الليلة، يعني والله أنا قاعد بتطلع، في منطقة تل الهوى القريبة مننا كانت تضوي السما أحمر. فالاشي كثير غريب. الاشي شبه خيالي. عنجد بحكيلك احنا دخلنا في حالة من اللاوعي.٠

كيف أنت؟ طمنيني عنك.٠

المستشفى الحمد لله بخير، ولكن دمروا كل المناطق اللي حواليها. امبارح هددوها بس الناس رفضت تطلع منها. الناس والأطباء رفضوا أنه يطلعوا. في كثير ناس ماخذاها ملجأ. لأنه منطقة تل الهوى هي منطقة كبيرة وتعد من أجمل المناطق اللي موجودة في غزة. هذه المنطقة تم إبداتها حرفيا. أنا بنت عمتي كانت ساكنة في عمارة بتل الهوى، ولكن العمارة تدمرت. بنت عمتي راحت على مستشفى القدس. هي وزوجها وأطفالها الثلاثة. كلمتها امبارح حكتلي أنه احنا حنظل وكل الناس ظلت وانه خلص اذا بدكم تقصفوا اقصفوا المستشفى فينا، احنا مش حنطلع من هان.٠

يا حرام والله كثير كثير زعلت على الناس اللي في الكنيسة. لأنه حرام هم عددهم في غزة كثير قليل. يعني هذول الناس كلهم محترمين. كثير إلي أصدقاء منهم. حتى في شب استشهد [في الكنيسة] أنا بعرفه. الله يرحمه. وامبارح تواصلت مع شب صاحب صديقي، كنت بدي أحكي معاه لأنه كان في الكنيسة. كنت بدي أحكي معاه عشان آخذ مداخلة صحفية. فبعثت رسالة لصاحبي بحكيله بدي أحكي مع "م". بحكيلي "م" في العناية المركزة وأمه استشهدت وأخوه استشهد. الخبر أثر علينا كثير كثير. كله سيء، بس المستشفى والكنيسة من أكثر المجازر اللي أثروا علينا.٠

بتعرفي وصلت فينا لوين؟ اذا مثلاً استهدفوا بيت حدا فيه ٤٠ شخص واستشهد مثلاً ١٠، بنحكيله انه الحمد لله انه استشهدوا بس ١٠ ومش ال٤٠. هيك صرنا نتطلع للأمور.٠

المشكلة هنا صار في كثير كثير من الزملاء الصحفيين طلعوا برا الخدمة لأنه في استهدافات مباشرة للصحفيين. ولأنهم صاروا خايفيين على أهاليهم وأطفالهم فأخذوهم ونزلوا على الجنوب.٠

على فكرة، كثير كثير كثير ناس رجعت على غزة [المدينة] بعد ما أنه تدمرت هناك [وزاد القصف للجنوب]. يعني في ناس كانت في غزة وراحت على الجنوب كملجأ. انقصف الملجأ اللي هم فيه...أو البيت اللي كانوا هم فيه لأنه بنفعش حتى نحكي عنه ملجأ، لأنه ملجأ المفروض كلمة بتوحي لاشي آمن، بس ما في اشي آمن في غزةــــ فرجعوا من الجنوب على بيوتهم هنا في غزة. امبارح برضه كمان مرة في رفح استهدفوا الدفاع المدني وهم بشغلهم. ويا حرام ٦ من الدفاع المدني تصاوبوا وفي كمان واحد منهم استشهد.٠

مشكلة الخبز زادت كثير. مشكلة الأكل زادت كثير. امبارح ما كان في خبز عنا بالمرة في البيت. مشكلة كبيرة هاي خاصة للأطفال لأنه ما في أكل. هنا في غزة، غير عن أوروبا، بنعتمد على الخبز في الأكل بنسبة ٩٨٪. وأصلاً ما في غاز نعمل أشياء تانية. فبتلاقينا الكل بيميل انه يجيب خبز ويعمل سندويشة جبنة أو سندويشة زعتر نمشي الأمور فيها. أو مثلا بنعمل رز أو اشي مثل هيك.٠

امبارح انقطعنا من الخبز لأنه مثل ما بتعرفي أكثر من ٥ أو ٦ مخابز انضربت. والمخابز الثانية أصلاً ما في عندها طحين، أو ما عندها كهرباء، وما بتقدر تغطي حاجة الناس اللي كثير كبيرة. المنطقة تبعتنا فيها مخبز. والله الطابور يمكن ٥٠ متر. طيب أنت بتعرفي شو صار عشان ينظموا؟ صار في شرطة ييجوا بعصي وهيك بس عشان ينظموا الناس. لأنه الناس كلها بدها تاكل.٠

امبارح أمي عملت رز. كلنا أكلنا مرة واحدة في وقت المغرب. وللصغار آخر الليل عملت أمي زي شعيرية، ومشيت الأمور. اليوم كان عنا طحين، فأمي صارت بدها تعجن. كيف بدها تعجن وتعمل هذا الطحين خبز بما أنه ما في كهرباء؟ فبعثناه ع محل واحد قريبنا بالسوق، بعيد يعني ٢ كيلومتر، عشان يعملوه في المحل لأنه ما في كهرباء هنا. وهذا احنا عنا امتياز انه بنقدر نعمل الأشياء هاي. في ناس ما في عندها أي اشي وما في عندها أي إمكانيات.٠

والاشي السيء كثير اللي بلاحظ انه ما حدا تقريباً بيحكي عنه، أنه كثير ناس في غزة شغلها يومي [مياومة] يعني اذا اشتغلت اليوم بتاكل. اذا ما اشتغلت ما بتاكل. مثل العمال أو اللي عندهم دكان صغير أو ببيعوا خضار أو اشي مثل هيك. طيب هذا لما بده يشتغل بده يعمله في اليوم مثلا ٢٠ شيكل؟ هاي ما بتكفي ليعمل فيها اشي. وهذول صارلهم تقريباً ١٥ يوم مش شغالين. أنا لما بفكر فيهم بصير بدي أنجن. أنه هذول الناس كيف بتكفي حاجتها؟ من وين بتجيب؟ يعني احنا من هان ومن هان بندبر الأمور وبنسند بعض. بس الناس هاي وضعها بأيام قبل الحرب كان كثير كثير سيء وكثير صعب. وهذول عندهم عائلات. طيب الناس هذول هلئيت ما بيشتغلوا، طيب من وين بدهم يدبروا أمورهم؟ من وين بدهم يدبروا حالهم؟ في ناس بتموت من الجوع وما حدا عارف عنها إشي.٠

 

الأثنين ٢٣ تشرين الأول/ أكتوبر

بصراحة الليلة كانت صعبة. مش أصعب ليلة. كل ليلة أصعب من الثانية. ما بقدر أحكيلك أصعب ليلة لأنه كل ليلة أصعب من الثانية. بس امبارح مساء وصلني خبر أنه استشهدت صبية صديقتي كثير كثير كثير بس ما قدرت اتأكد. فطول الليل مش عارف أنام. ما في عندي انترنت ومش عارف أشوف وأبحث. والله ما عرفت أنام طول الليل سهران.٠

بطل فيه طاقة الواحد ليحكي. بطل فيه طاقة الواحد ليشوف وليسمع أي خبر جديد. خلص صرنا أنه... أي اشي متوقع. تعبنا تعبنا تعبنا كثير. أنا بطلت أفكر في نهاية المعركة. صرت أفكر في نهايتنا احنا. لأنه حتى لو انتهت المعركة احنا انتهينا.٠

من امبارح ولحتى الآن، مش قادر أبكي. بحاول أبكي. مش قادر أبكي. مش عارف أبكي. مش عارف ايش أحكي. الله يفرجها يا رب. والأمور يعني فش جديد. فش أخبار. بس الواحد بيتطلع على الصور والفيديوز اللي عم تنتشر. كلها أطفال وألم وشظايا وأشياء بتقطع القلب يعني.٠

ما بتوقع في دمار أكثر من الدمار اللي صار. يعني هم اخترقوا كل الحدود اللي ممكن يخترقوها. فخلص ما ظلش [اشي يخترقوه]. أي حاجة بدها تصير هلأ حتكون يعني مش اشي مفاجئ.٠

ظليت لحد الصبح. بالعافية حتى نمت. بعدين لما صحيت وتأكدت. سألت حدا بيعرفها فحكولي أنه استشهدت الله يرحمها. هي و٧ من عائلة زوجها. كانت هي كاتبة اسمها هدى السوسي. الها مقالات على اليكترونيك انتفاضة. كانت هي كاتبة واعدة. كانت دايماً تحكيلي عن طموحاتها وعن أحلامها. كنت دايماً مثل مرشد معها. فكثير كثير كثير تضايقت. حتى الآن، ٣ من أعز الأصدقاء ومن أقرب الناس إلي اللي كنت تقريباً احكي معهم بشكل يومي أنا خسرتهم. كمية المشاعر اللي واحد بيحملها صارت أثقل بكثير من الكلمات اللي ممكن تعبر عنها.٠

حكي كثير كثير كثير. إن شالله بصير وقت نقدر نحكي أكثر. أنا بدي أروح. لازم أغير مكاني. (...)٠ز

أنا بدي أحكيلك أنه أنا منيح. أنا بخير. بس امبارح بصراحة الخبر هدني، لأنه صديقة عزيزة كثير علي. الفقد وجه من وجوه الحياة. الألم شديد لأنه شخص عزيز زي الأشخاص العزيزين اللي فقدناهم. لكن الحمد لله هي في مكان أحسن. وهي ارتاحت من كل الألم. الله يريحها. انشالله بتكون في الجنة وأمورها تمام.٠

 

الأربعاء ١ تشرين الثاني/نوفمبر

مرحبا، يعطيك العافية، انبسطت والله كثير برسالتك.٠

موضوع الانترنت، بصراحة، كارثي! ولكن فش حلول إله، بصراحة.٠

أنا الآن شبكت على نت [خط انترنت] من الجيران، ممكن يفصل بأي وقت، وهو كثير ضعيف، مشكلة النت ما زالت قائمة، ولكن انشالله بتنحل

بنظلنا على تواصل انشالله، أنا بخير الحمد لله، يعني الأمور مش بخير، بس الحمد لله

مساء الخير، كيف حالك؟ والله زمان ما سمعنا هالصوت الحلو؟ [يزداد الطنين المزعج من الطائرة الزنانة في الخلفية، ويحاول رفع صوته] يا رب هيك تخلص كل الأمور الصعبة هاي على خير وبأسرع وقت، وانشالله نكون كلنا مناح ونحكي براحتنا، وتكون الأمور كلها تمام، ونكون مش متوترين، ونكون مرتاحين انشالله.٠

الوضع كل يوم بزيد سوء، موضوع الانترنت والشبكات شبه فقدنا الأمل منه، يعني خلص، حتى بطلنا نفكر إنه: شوف الانترنت، شوف شبكة الاتصال. أنا والله حتى الأصدقاء طول النهار بحاولوا يرنوا علي يطمّنوا إنه أنت كويس؟ بحكولي لما أرد: "أنا صار لي من الصبح، خمس ساعات بحاول أرن عليك، وجربت ٣٠ – ٤٠ مرة تيزبط". ولكن الحمد لله رب العالمين.٠

بصراحة أنا مرضت شوي اليومين اللي راحوا، يمكن من ريحة البارود، صار عندي زي احتقان وصدري بوجعني كثير والله والأغلب هيك، الأغلب، لأنه ريحة البارود والرمل والتراب والدخان منتشرة في كل مكان. فما في مجال إلا إنه الواحد يستنشق منها. من خمسة أو أربعة أيام تقريباً، انضرب بيت لدار عمي في نفس المنطقة اللي أنا فيها، يعني الله يرحمهم خمسة راحوا فيها. والحمد لله إنه ما راح الكل، عيلة كانت أكثر من عشرين نفر [شخص] في البيت، والله كثير أصدقاء، وكثير كويسين، والله زي الورد. صبايا وشباب، كلهم راحوا، خلص الله يرحمهم. وفي ناس كثير، أنا متأكد ناس كثير بعرفها راحت، وأنا ما بعرف عنها لأنه ما في انترنت. والله صرت أكره أفوت انترنت، وأصلاً ما في عندي انترنت. صرت ما بدي أشوف الأخبار، وصرت أشعر بالملل من الأخبار المتكررة الباردة، كله كلام بارد، كلام ما ببل الريق. بس بنتظر الانترنت، بس عشان أتواصل معك، وأتواصل مع أصدقائي اللي برا، أطمنهم وبس مش أكثر.٠

لسه بدها وقت، بدها على الأقل عشر أيام، لأنه زي ما أنت شايفة، وزي ما أنت متبعة الأمور، الكل شادد فيها، مع إنه الشعب ما ظل فيه. كل يوم الأمور بتزيد صعوبة: قصة المي، وقصة الأكل، والضرب العشوائي، وقصة المستشفيات. ولكن الحمد لله، الواحد خلص، بعمل اللي عليه وبجتهد وخلص. في الآخر احنا مش حنقدر نغلب الكون في التحمل. احنا بنعمل اللي علينا وبنحاول نوفر اللي موجود ونقتصد ونقلل استخدام المي والأكل على قدر المستطاع. بس خلص، يعني هاي هي الأمور.  الحمد لله يعني، بس قصة التعب. أنا متخيل إنه يمكن أنتو تعبانين زينا ويمكن أكثر، ويمكن بتتمنوا إنه تكونوا موجودين معنا. الإشي مش بسيط علينا كلنا. والله أنا زيك بحكي إنه في ناس كثير معنا، بس لهالدرجة يعني الناس الشريرة هي المسيطرة؟ أو هي اللي بتحكم؟ الإشي مقرف، وحياة الله الإشي مقرف. يعني ولا دولة عربية تأخذ موقف إيجابي لتوقف هالمعاناة اللي بنعيشها؟ على الأقل إنه تدخل امدادات دعم لغزة؛ أكل، شرب […] في ضربة، في ضربة قريبة تكون هالقيت لأنه ضوت السماء أحمر، أكيد [صوت ضربة قوية يُسمع في الخلفية] يا ساتر! فبحكيلك الأمور مش مستقرة، ولكن احنا بنحاول على قدر المُستطاع نظلنا متماسكين، والحمد لله على كل شيء، هذا قضاء ربنا وقدره.٠

والله أنا حكيتلك مسبقاً وبحكيلك ثاني، لو وصلك خبر إنه أنا مش موجود، كوني متأكدة أني في مكان أحسن. ولو ربنا كتبلنا عمر، بدك تساعديني لأطلع حتى أشوفكم، وحتى الواحد ينسى، وأحاول أنسى الترواما اللي بنعيشها هلا. التراوما هاي اللي مش راح نتعافى منها العمر كله. عن جد، الواحد بتطلع على الأطفال الصغار وبقول: شو ذنبهم؟ واحنا شو ذنبنا؟ كلنا الصغار والكبار. أقسم بالله الواحد عن جد بطل فيه عقل وبطل فيه مشاعر، الحمد لله على كل شي. ظلك قوية، وديري بالك على نفسك، وسلامي للجميع، عندك. انشالله بنبقى يوم ندردش.٠

وأنا وقت ما يزبط عندي إني أبعث أو يكون عندي انترنت راح أبعث رسائل، وأنت كذلك، [صوت القصف يعلو بشكل مستمر مع صوت الزنانة الذي لم يتوقف]. ولما ييجي الانترنت بسمع رسائلك الصوتية، وانتبهي على نفسك وسلامي للجميع، يعطيك العافية.٠

٠

السبت ٤ تشرين الثاني/ نوفمبر

مرحباً شو أخبارك؟ انشالله تمام! هلا سمعت التسجيل، وانبسطت فيه، لأني سمعت صوتك ولأنك بخير. بصراحة، موضوع الانترنت ما بيجي بشكل مستمر، بالعكس، حتى في مناطق كثيرة انقطع الانترنت فيها بشكل كامل، مثل منطقتنا، النت منقطع فيها بشكل كامل. وتطوع حدا من المنطقة لأنه عنده طاقة شمسية، تطوع إنه يدعم خلية الانترنت التابعة لكل الحي من الطاقة الشمسية اللي عنده في البيت، لعدد ساعات محدود. ولكن خربت الطاقة الشمسية اللي عنده. فأنا فعلياً الآن ما في عندي انترنت، هلا أنا شابك انترنت من خلال (الإي سم)، الشرائح، وهو كثير ضعيف. بيجي يعني، وبقدر أستقبل منه اشعارات ورسائل، وبقدر أبعث رسائل، لكن مش بكل وقت. الانترنت ما زال في أغلب المناطق في غزة مش موجود. شو اللي صار؟ يعني هم [الإسرائيليين] ضربوا الأماكن اللي بتوزع الانترنت داخل غزة، بعدين هم فصلوا الانترنت اللي بدخل غزة كلها، تمام؟ ورجعوا سمحوا إنه الانترنت يدخل، بس الأماكن اللي جوا غزة لسه مضروبة [قُصفَت]، فما في انترنت. يمكن الانترنت بيجي ساعة أو نصف ساعة، وإذا قدروا الناس إنه توصلله كهرباء بجهد شخصي. ليش؟ لأنه ما في كهرباء. احنا من أول يوم حرب حتى الآن ما في عنا كهرباء اطلاقاً. طيب امبارح، بدأوا يضربوا البيوت اللي فيها طاقة شمسية، تخيلي لوين وصلت الأمور؟ يعني أي مصدر للحياة بدهم يوقفوه. يعني اشي رهيب، اشي عجيب، مش مفهوم. اليوم كنت بشحن جوالي واللاب توب من مكان قريب من البيت، من  صديق إلي يعني. وخربت الخلية عنده، وخاف. وصارت الناس اللي عندها طاقة شمسية تخاف. واليوم طول النهار ما في كهرباء. رحت على مكان بعيد عند صديق ثاني لأشحن الجوال، وكل البيت، يعني العائلة هنا في البيت جوالاتها مطفية لأنه ما فيها بطارية. الوضع كثير صعب. والموضوع الأصعب هو المي والأكل. وبزيد سوء لأنه بتقدري تحكي انقسمت غزة: الجنوب وغزة. فبطل يدخل، وهو بالعادة، الأكل، والزراعة، البندورة والأشياء هاي بتيجي من الجنوب، وبتيجي من الشمال، من الأراضي الزراعية اللي على الحدود. هلا طبعاً ما في حدا بقدر يجيب، فموضوع الأكل والشرب هذا صار كثير صعب. كثير كثير، كل يوم بزيد سوء. ولكن الحمد لله. والله، احنا في العائلة، الكل متوتر. كثير كثير الكل متوتر، لأنه في أطفال كثير. وأنت بتحكي، يعني تقريباً ٨٠ نفر، ٨٠ شخص موجود. فالإشي صعب، خاصة لما احنا الكبار بتلاقينا زي المجانين، بدنا ندبر مي، وبدنا ندبر أكل. الإشي مش بسيط. بس أنا مبسوط إنه العالم صار معنا ولكن الأخبار مش مُبشرة، والأخبار بتحكي إنه هذا اللي بصير الآن راح يستمر، على الأقل، ثلاث أسابيع، أو شهر، على الأقل. لأنه هدول عندهم هدف بدهم يعملوه. ولكن الحمد لله، يعني الأمل موجود، واللي ربنا كاتبه بده يصير، يعني إذا الواحد كان هنا أو على الفضاء، اللي ربنا كاتبه بده يصير. ولكن، كثير بزعل، وكثير مؤسف لأنه الناس قاعدة زي اللي مش عارف كيف. الناس كلها بتسأل، كيف فلان؟ موجود أو مش موجود؟ بيجي حد بحكيلك: بتعرف فلان؟ بتحكيله آه، بحكيلك استشهد. فصارت كل الناس معرضة للإشي هذا، مش إنه الواحد تعود، ولكن من كثر الألم والفقدان، صار الإشي متوقع. فيا رب خير! يارب خير. والحمد لله على كل شيء، الحمد لله، وتحياتي لك وللجميع.٠

 

الجمعة١٠ تشرين الثاني/ نوفمبر

كيفك؟ لسه بقرأ رسالتك. الحمد لله، احنا بخير حتى الآن. الوضع كثير صعب، ما في أي كلمة ممكن توصف صعوبة الوضع. الناس تدمرت نفسيتها. صار الكل خايف، ويخوّف بعض. وكثير ناس طلعوا على الجنوب مشي. ولكن في كثير ظلوا، ولكن اللي ظلوا خايفين واللي طلعوا خايفين. الوضع كثير صعب. والمشكلة الجنوب مزدحم بشكل كثير كبير، يعني الناس فوق بعض. أنا بحكي معك، والغبرة والدخان بتملي السما. يعني مش قادر أتنفس من دخان الانفجارات. أنا موجود في غزة. والله يسلمنا جميعاً. انشالله بتخلص على خير. اللي ربنا كاتبه راح يصير. وعلى أمل إنها قربت من الانتهاء، لأنه ما ظلش. يعني تقريباً وصلوا مستشفى الشفاء. يعني ظايل أقل من كيلومتر، لو بدهم يشدوا، بوصلوها بدقائق.٠

يعني إذا كان مستشفى الشفاء هو اللي بدهم إياه يدخلوه ويدمروه، وتخلص الحرب ويوقف القتل. لأنه من المناظر البشعة اللي شفتها. كان في مخبز انقصف الليلة الماضية، هجموا الناس عليه: سرقوا الطحين والغاز والسيرج وما خلوا فيه إشي. منظر الناس وهي بتسرق كان ببكي. الشخص كان يطلع مبسوط، وهو حامل كيس الطحين، ولكن مناظر الناس بتبكي. الوضع خيالي، غير معقول. الله يخلص الأمور على خير، يا رب!٠

بصراحة صار الخوف منتشر ومسيطر على الناس، والناس بتخوف بعض، ولكن نحن متماسكين وأملنا بالله كبير، بدنا نموت، بنموت على أرضنا. وإذا ما متنا، والله كتبلنا عمر جديد، فليكن! ولكن لو خلصت الحرب الآن في هاي اللحظة اللي أنا بحكي معك فيها، قلوب الناس ماتت. الناس تدمرت. يعني مش تراوما هاي، اشي أقسى، اشي حتى الخيال ما بعبر عنه، يعني بدنا كثير وقت لنعبر عنه! يعني الاشي كثير صعب. الله يسلمنا جميعاً. موضوع الأكل صعب كثير. بنميل للأشياء اللي ما بتحتاج غاز كثير واللي ما بتحتاج طحين، أو خبز. مثلاً زي الرز والباستا وأشياء زي هيك، وطبعاً يُفضل إنه كل شخص ياكل وجبة واحدة في اليوم حتى يوفر للباقين. أغلب المحلات اللي ظلت موجودة ما فيها أكل أو شرب. الأمور صارت معقدة، تقريباً أنا ما بحكي مع حد، لأنه من كل العائلة أنا الوحيد اللي معه نت من خلال الإي سيم. بحاول أطّلع على الأخبار، وبحكيلهم بس الأخبار الكويسة. والأخبار الكويسة قليلة، أما الاشاعات فبتاكل الناس أكل؛ يعني زي النار بتاكل الناس: الناس مرعوبة. يعني أنا بتطلع بعيون الناس في الشوارع: الناس صغير وكبير، ست أو راجل، عيون الناس فيها رعب. بتشوفي الناس وهي بتنتقل، بتلاقي ١٠، ١٥ ماشيين وحاملين شنتهم وبمشوا معهم حدا مُقعد، أو طفل. الاشي ببكي، والله ببكي. الحمد لله. ربنا يسلمنا، يا رب. وكل الأمور تخلص على خير، سلميلي على الكل، وانشالله بنظل على تواصل.٠

أ. صحفي ومترجم شاب حاصل على شهادة في الأدب الإنجليزي من الجامعة الإسلامية في غزة. طلب أ. من إنسانيات حجب هويته بسبب المخاوف السائدة من الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للصحفيين في غزة. كما حصل حين فجر الجيش الإسرائيلي مكاتب وسائل الإعلام الرئيسية عام٢٠٢١، وقتل عائلة مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح في ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول٢٠٢٣ .٠

* تم نشر اصدار من هذا المنشور باللغة الإيطالية من قبل Pagine Esteri.